قام الأستاذ محمد خان بالأمس بوداعي وداعًا خاصًا قبيل رحيله عن عالمنا اليوم. وسوف أظل فخورًا بهذا الأمر. فبالأمس لم أكن نفسيًا في أفضل حال. بدون سبب محدد تولد لدي شعور عام بالاحباط والقلق وعدم القدرة على الانجاز. تنتابني مثل تلك الحالات أحيانًا، حينها أحاول المقاومة بطرق شتى. أنجح أحيانًا وأفشل كثيرًا فألجأ إلى النوم أو مشاهدة الأفلام الروائية (حيث يتطلب التسجيلي مزاجًا رائقًا) أو قراءة عمل أدبي روائي. ولكن بالأمس فشلت محاولات تغيير المزاج إلى الأفضل وساعد في هذا جو الصيف الحار وقرار الحي الذي أسكن فيه بإقامة حفل ساهر بأغاني المهرجانات لطلبة الثانوية العامة. قررت اللجوء إلى حلقات بلال فضل "الموهوبون في الأرض". شاهدت حلقة أنغام ثم حلقة محمد خان. كان مدخل فضل إلى الحلقة هو قدرة خان على مواصلة الإبداع ونجاحه في إسكات حملات الانتقاد والتشهير -على مدار سنوات- بمواصلة العملأشار بلال إلى العديد من الأمثلة التي تضمنت أيضًا بعض الحِيل التي برع بها خان في تطويع إمكانيات ممثلين من قامة أحمد زكي وسعاد حسني مرورًا بعايدة رياض وغادة عادل. فكرت أنه ربما تكون فكرة جيدة أن أتصل بالأستاذ محمد وأدعوه لإقامة درس سينمائي عن إدارة الممثل بمكتبة الإسكندرية، حيث أعمل. وفكرت أنه كان يجب علي أن أفعل ذلك منذ فترة. فلقد تعاملت معه من قبل عندما قام بتحكيم إحدى دورات مشروع بلازا. وتذكرت أن التعامل معه كان شديد السلاسة. وأنه قام بقراءة عدد كبير من السيناريوهات وكتب ملاحظات دقيقة عن كل سيناريو فائز، كما كان حريصًا على التواجد يوم العرض والتعليق على الأفلام. وتذكرت ملحوظته عن تيتر أحد الأفلام وانتقاده للمخرجة بلطف لأن التيتر كان مكتوبًا بغير اللغة العربية. وتعجبت للمفارقة، حيث عانى الرجل لسنوات للحصول على جنسية الدولة التي بسببها تعلم العربية. كان الوقت متأخرًا على كل حال، ففكرت أن أقوم بمكالمته صباح اليوم لعرض الأمر عليه. واستبشرت بحبه للإسكندرية خيرًا، وأنه لن يرفض طلبي، وأنني سوف أقابله مجددًا على رصيف قطار محطة مصر لأقله بسيارتي للفندق كما فعلت عندما قابلته أول مرة. بل إن تلك لم تكن المرة الأولى. قابلته قبل ذلك في لقاء عابر مع صديقتنا المشتركة آيتن أمين في مول سان ستفانو. صافحني يومها وكنت شديد السعادة يومها أنني قابلته، ممنونًا لآيتن التي قدمتني إليه بلطف استمر بلال في الحديث عن خان وذكر فيما ذكر طريقة تصويره للمشهد الأخير في فيلم "طائر على الطريق" بين أحمد زكي وفردوس عبد الحميد. فتذكرت بدوري علاقتي بأفلام محمد خان واكتشافي للغته السينمائية الخاصة منذ أكثر من عشر سنوات. كان وقع الكثير من عناصر سينماه علي وقعًا شديد التميز. كان لها سحر ما. سحر بلا غموض تقريبًا. فالعلاقات واضحة والأفعال منطقية، بينما نشوة المشاهدة تتسرب إلي من حيث لاأدري. فغديت أتلذذ بأفلامه بغض النظر عن معرفتي معلومات كثيرة عن خلفية صنعها. والسياق التاريخي وارتباطها بالموجة الفرنسية الجديدة أو غيرها من الحركات السينمائية الأخرى. كنت كلما شاهدت "زوجة رجل مهم" أتذكر عبارة صديقي هاني محمد بأنه أجمل الأفلام. شاهدت هذا الفيلم وأنا صغير نسبيًا في السن، ولكنعندما شاهدته مؤخرًا هالني جمال المشهد الأخير. فبقدر ما فيه من عنف (قتل أب أمام إبنته وإنتحار البطل) فيه أيضًا حساسية كبيرة في البناء، حيث تتضافر كل العناصر في وحدة شديدة التماسك. كما يذكرني هذا الفيلم بأبي. فمشاهد إنهيار الفتيات بعد موت عبد الحليم حافظ هي المعادل البصري الوحيد لديْ لما حكاه أبي لي عن صعوبة تلك اللحظة في حياته، لحبه الشديد لعبد الحليم. كما أتذكر أمي التي لفتت نظري لأول مرة منذ سنوات عديدة إلى تفصيلة خلع الضابط لساعة يده قبيل استجوابه للصحفي. وأتذكر أنني قمت بالبحث عن مشهد المواجهة بين الصحفي والضابط في المقهى أكثر من مرة، بعد الثورة، لتأمله، والتلذذ بالحوار والتمثيل. أما "الحريف" فكان الفيلم الذي قام بتعريفي بقدرات عادل إمام كممثل، وربما هو أكثر عمل فني مرتبط بكرة القدم أحببته في حياتي. وفي زيارتي لمنزل المخرج التسجيلي العذب علي الغزولي بوسط القاهرة، أخبرني الرجل بأن سطح منزله هو السطح الذي تم استخدامه في تصوير الفيلم. ولكنهم كانوا قد أزالوا قاعدة اللوح الإعلاني الكبير المميز في الفيلم. وبالمناسبة هذا هو نفس السطح الذي صور منه الغزولي لقطات فيلمه "الشهيد والميدان" عن ثورة 25 يناير وكما يقول بلال في نهاية الحلقة، لا يتسع الوقت لذكر الكثير مما وقر في نفسي من سينما خان. والحقيقة أنني حتى لو لم أشاهد له في حياتي سوى "موعد على العشاء" لكان هذا كافيًا، فبصرف النظر عن يوسف شاهين، لا أجد مخرجًا آخر سجل حبه للأسكندرية بهذه السلاسة. فكلما مررت بمحل البن البرازيلي في تقاطع شارع سيزوستريس مع شارع شريف، ظهرت أمام عيني نظرة أحمد زكي لسامي سرحان وفي الخلفية ديكور المحل المميز. وكلما جال بصري بسور الميناء الشرقي القديم في محطة الرمل، لمحت حسين فهمي وهو يواجه أحمد زكي قبل أن تنهي سعاد حسني الموقف، ليدلف أحمد زكي إلى سيارتها ويتعانقا وهو يهمس لها بألا تخاف. وعندما أمر بكوافير "علام" حتى الآن، تحضر سعاد حسني بفستانها الأزرق وبجمالها الحزين محمولة على نغمات بيانو كمال بكيرالشجية كان لحديث بلال فضل عن مقاومة خان أثرًا إيجابيًا في نفسي بالأمس. تسرب إلي شعورًا قويًا بالقدرة على الإنتاج وإيجاد حلول والبقاء والنمو. ثم بدأت في مشاهدة فيلم خان الأخير الذي لم أكن قد شاهدته من قبل. فمنذ يومين كنت أتحدث مع صديقي محمد صقر الذي عمل في الفيلم بالقرب من خان، ووجدت أنها فرصة مناسبة للبدء في مشاهدة الفيلم عزيزي أستاذ محمد، أنا شاكر جدًا لمرورك بحياتي. وسوف أتفاخر دائمًا بأنك قد ودعتني وداعًا خاصًا. إلى اللقاء
0 Comments
Leave a Reply. |
BlogArchives
October 2022
Categories
All
|